الخدمات

نظرة على اللائحة التنفيذية لجباية الزكاة لعام ١٤٤٥هـ 

لقد كان من أوائل ما فرضه المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود في هذه البلاد الطاهرة هو الركن الثالث من أركان الإسلام ألا وهو جباية الزكاة؛ طاعة لربه، واهتداء بسنة نبيه، واقتداء بسيرة خيرة الأمة لما للزكاة من فضائل عظيمة وصفات حميدة ومنافع كثيرة، ففيها تلمس لاحتياجات الضعفاء، وتعاضد لأفراد المجتمع، ودعم لاقتصاد البلاد، كل هذا دعا الملك عبد العزيز -رحمه الله- إلى أن يأمر بالزكاة وذلك في عام ١٣٧٠هـ، ومن ذلكم الحين وحتى الآن والزكاة تفرض وتدعم بشتى أنواع الدعم من تنظيم للمؤتمرات، وتبنٍّ للدراسات، وتوسع في الدراسات لملاءمة تعقيدات الحال وتطورات العصر لهذه الفريضة السمحة، مما نتج عنه صدور عدد من اللوائح والتشريعات الزكوية في وقت وجيز كان آخرها اللائحة التنفيذية لجباية الزكاة الصادرة في عام ١٤٤٥هـ. لقد جاءت هذه اللائحة مختلفة عن سابقاتها من حيث التفصيل وكثرة المواد وذلك لتكون المعالجات الزكوية شاملة ومفصلة وغير مبهمة الأحكام مما يحفظ حقوق مستحقي الزكاة ويضمن استقرار مراكز المكلفين بها. 

إن من أبرز ما جاءت به هذه اللائحة الجديدة هو معالجة موضوع المخصصات الذي طالما كان موضوعاً ساخناً بين المكلفين والهيئة، الذي تعتبره الأخيرة أنه التزام محتمل وغير معلوم المقدار وبناء عليه يجب أن يضاف للوعاء الزكوي كأحد بنود حقوق الملكية، بينما كان المكلفون يطالبون بعدم إضافته للوعاء حيث إنه وإن كان محتملاً وغير معلوم المقدار إلا أن هذا لا ينفي التزام المكلف به خاصة في السنة الزكوية محل الخلاف - على أقل تقدير عندما يفعل مبدأ استقلال السنوات الزكوية - ، فعالجت اللائحة هذا الخلاف من خلال إعادة تصنيف المخصصات حسب درجة احتمالية حدوثها والقدرة على احتساب قيمتها، فما كان حدوثه عالي الاحتمال كمخصصات نهاية الخدمة ومخصص الاجازات النظامية وما في حكمهما اعتبر كديون على المكلف يضاف للوعاء بمقدار المحسوم منه، بينما المخصصات ذوات الاحتمال الأقل فصنفت كأحد بنود حقوق الملكية. 

كما وضعت اللائحة أحكاماً مفصلة لأنواع من الديون التي على المكلف منهية بذلك العديد من المسائل المتعلقة بالديون سواء التي للمكلف أو عليه. فأما الديون التي على المكلف، فقد سمحت اللائحة الجديدة بحسمها من الوعاء الزكوي متى ما عجز المكلف عن تحصيلها وأثبت ذلك كالديون التي للمكلف على الجهات الحكومية والودائع النظامية. الجدير بالذكر أن اللائحة قد أجازت حسم هذه الديون من الوعاء الزكوي حتى وإن حصلها المكلف في السنوات اللاحقة. أما الديون التي على المكلف وحيث إنها تضاف للوعاء بقدر المحسوم منه، فلقد جاءت اللائحة الجديدة بأحكام وشروط جديدة هدفها ضبط وتهذيب هذه الديون كقروض الشركاء في المكلف. 

حسمت هذه اللائحة موضوعاً آخر ساخناً بل يعتبر هو والديون أبرز موضوعين تدور حولهما الخلافات بين المكلفين والهيئة وهو موضوع معالجة الاستثمارات ومدى اعتبارها للمتاجرة وبالتالي من عروض التجارة الواجب عليها الزكاة أو من أموال القنية التي لا تجب فيها الزكاة، فجاءت اللائحة الجديدة بصور اعتبار هذه الاستثمارات للمتاجرة وذلك بأن تباع وتشترى لعدد من المرات خلال العام الزكوي. 

أخيراً، نرى أن هذا التطور والتغير في لائحة جباية الزكاة هو شيء صحي ومطلوب نظراً لقدرة الشريعة المكرمة على التكيف مع تغير العصر والمعاملات فيه وكذلك نظراً للتطور والتحديث في معاملات اليوم حيث أنه ومع تعقد المعاملات وتشعبها في عالمنا اليوم الا أن قدرة جابي الزكاة على التحقق وتتبع هذه المعاملات ومعرفة تأصيلها الشرعي أصبح شيء سهل ومقدور عليه رغم كثرة وتعقد تلك المعاملات، فجاءت هذه اللائحة بأسلوب جديد يستلزم معه أن يكون المكلف على دراية بهذا الأسلوب وبقدر عال من التكيف معه لا سيما أن القرار الوزاري المصدر لهذه اللائحة قد منح المكلفين مهلة 60 يوم من صدور هذه اللائحة لتطبيقها اختيارياً على السنوات السابقة لسنة تطبيقها، فلزم على المكلفين دراسة مدى تأثرهم بهذه اللائحة للسنوات السابقة ومدى قدرتهم على الاستفادة منها للسنوات السابقة.


د. خالد فوزان الفهد
Service image